المقاومة والأجندات الخارجية


http://tadwen.net/arabic/wp-content/uploads/2009/01/allah_akbar1.mp3%20


تتعالى اتهامات المضللين والمبطلين لكافة قوى الممانعة في العالم الإسلامي بتنفيذ أجندات خارجية وخدمة مصالح دول وقوى إقليمية معادية. وهي تهمة جديرة بالازدراء في أمة تعرف تاريخها، وتؤمن بهويتها وتتمسك بحقها. ولكن في زماننا هذا حين أصبح الحق باطلا، والعدوان دفاعا عن النفس والكرامة جنونا والمقاومة إرهابا. فقد أصبحت حتى الخيانة وجهة نظر، تستحق أن تناقش ويرد عليها.

بالطبع يعرف القارئ أن الأجندة الأجنبية التي يشيرون إليها هنا هي الأجندة الإيرانية. ربما يظنون أن فلسطين أرضاً إيرانية، وأن أول من قاتل الاحتلال الإسرائيلي كان إيران. وأن إيران هي المستفيد الوحيد من إزالة الكيان الإسرائيلي من الخارطة، أو أن بقاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين لا يضر سوى إيران وحدها. ولا أجد تفسيرا آخر لكون كل من يتكلم عن المقاومة في فلسطين، يحمل تهمة خدمة إيران. مع أن الأولى أن يتهم الناس إيران بتنفيذ الأجندة العربية. في تحرير جنوب لبنان العربي، واستعادة فلسطين العربية.

من المفترض أن أرض فلسطين هي أرض عربية، تقع في قلب العالم العربي في الطريق الموصل بين الجانب الأفريقي والجانب الآسيوي. وتقع في وسط منطقة القلب من العالم العربي، في المنطقة الواصلة بين مصر من جهة والشام والعراق من الجهة الأخرى. ووجود قوة معادية في هذه المساحة من الأرض يهدد تواصل هذه البلاد، ويهدد أمنها. ولذلك فإن من البديهي أن يكون تحرير فلسطين وطرد الاحتلال أمر يتصدر أولويات العمل العربي.

ومن المعروف أن فلسطين أرض وقف إسلامي، وهي الأرض التي بارك الله فيها حول المسجد الأقصى، وهي أرض يسكنها مسلمون، يتعرضون للقتل والإبادة والتهجير، والدفاع عن بلاد المسلمين من واجبات كل مسلم، كلٌّ بحسب استطاعته. فمن الطبيعي أن يكون تحرير فلسطين ونصرة أهلها على رأس قائمة الأعمال الإسلامية.

ومن المعروف كذلك، لكل أهل العلم، أن أمن مصر الجغرافي يبدأ من شمال سوريا ويمتد إلى جنوب السودان إلى غرب ليبيا. فكل ما يحدث داخل هذه الدائرة الجغرافية يؤثر مباشرة على أمن مصر القومي. ووجود قوة حربية معتدية معادية للعرب والمسلمين، ومصر عربية إسلامية بلا جدال، يهدد أمن مصر القومي، كما يهدد أمن سوريا ولبنان والأردن على السواء. فمن البديهي أن يكون إزالة هذا الكيان الغاصب الدخيل على رأس أولويات هذه الدول، وقد كان كذلك إلى وقت ليس بعيد. وإن تعذر ذلك، فيجب على المهتمين بالأمن القومي لتلك البلاد أن يناصروا إخوانهم الذين يمثلون خط الدفاع الأول عن تلك البلاد.

فإذا نظرنا إلى إيران، فهي حتى عام 1979 كانت من أهم حلفاء الكيان الإسرائيلي، سياسيا وعسكريا، فنظام الشاه الذي كان وكيلا لأمريكا في المنطقة، لم ير في وجودها تهديدا لبلاده، ولم يكن للعامل الإسلامي حساب في مواقفه، فالأجندة الإسلامية مستبعدة من خياراته. فلما قامت الثورة الإسلامية في إيران، كانت أول مواقفها المعلنة هي الانتماء إلى الصف الإسلامي، ومفارقة صفوف أمريكا وحلفائها. ومن هنا كانت طائرة الرئيس ياسر عرفات إحدى أول الطائرات التي هبطت في مطار طهران بعد نجاح الثورة الإسلامية. وبدأ العداء بين إيران والكيان الصهيوني منذ ذلك الوقت، في حين أن عداء العرب مع ذلك الكيان ممتد قبل ذلك بعقود. فالمقاومة العربية في فلسطين بدأت منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وتدخل الدول العربية كان يلي استقلال هذه الدول تباعا. فالتاريخ القريب يخبرنا أن إيران هي من تبنى الأجندة العربية، وليس العرب هم من يتبعون الأجندة الإيرانية.

والحق أن كلاهما يتبع الأجندة المشتركة بينهما الأجندة الإسلامية. ومن يرددون هذه التهمة هم من يكره الأجندة الإسلامية، ويناصبها العداء. قد نختلف مع إيران أو غيرها في أمور كثيرة، ولكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين، وحق المسلمين فيها، فهذه نقطة اتفاق لا نختلف عليها عربا ومسلمين.

من الطريف في تهمة تنفيذ أجندة خارجية، التي توجه لقوى الممانعة والمقاومة، أنها توجه لها مع إيران عداء لا تخفف الأيام من جدته، مثل متشددي أهل السنة، بل وبعض معتدليهم. ولكن إذا كان تحرير فلسطين أولوية عربية، لم يكن هناك محل لاتّهام قوى الممانعة بأنها تعمل لحساب غيرها، فهي، قوى الممانعة، لا تنادي إلا باستقلال الموقف العربي عن التبعية لأحد كائناً من كان. ولا ترغب إلا أن تعمل الدول العربية على دعم استقلال قرارها، متعاونة فيما بينها، في مواجهة السعي الأمريكي للسيطرة على العالم كله. كما ينادي كل صاحب كرامة في العالم باستقلال قرار بلاده عن من سواها. ولم يتهم أحد ميتران، أنه يعمل لصالح الأجندة الإيرانية عندما رفض مساندة الغزو الأمريكي للعراق، ولم يتهم أحد الدول التي ساندت الغزو بالعمالة لإيران ولا لأمريكا، مع أن مصلحة النظامين كانت واضحة في هذا الغزو.

إن حرب الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة اليوم، تعرض شعبا عربيا مسلما للهلاك، والعالم كله يرفض ذلك، أو ينبغي أن يرفض ذلك، سواء من وجهة نظر حقوق الإنسان، أو النظرة القانونية أو القومية العربية أو الإسلامية.

والشاهد اليوم، مع خروج المظاهرات بشكل غير مسبوق في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، بل وخارجهم كذلك أن الشعوب العربية والإسلامية جميعها لا تقبل بهذا الاحتلال، ولا ترضى بهذا العدوان على أهلنا في فلسطين. فهل يظن أصحاب هذا الاتهام أن جميع هذه الشعوب تابعة لإيران؟ أو منفذة لمخططات إيرانية؟ إذا كان كذلك، فإيران تستحق الزعامة على العرب والمسلمين، فكل شعوب الدنيا تؤيد سياستها. وليس الأمر كذلك بالتأكيد، وإنما هي مجرد نقطة تلاقي بين شعوب المسلمين في كافة أنحاء الأرض.

والجهات التي تتبنى اتهام التبعية الإيرانية لكل قوى المقاومة الإسلامية، تبدوا كأنها ترى أن إيران هي الإسلام. ولا إسلام إلا في إيران، وكأن العرب قد تركوا الإسلام وباتوا يصلون بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان، ويستقبلون مبنى الأمم المتحدة في صلاتهم، ويتعبدون بقراءة المعاهدات الدولية. وهذه الأصوات يصدق عليها القول، رمتني بدائها وانسلت. وتنسى تلك الجهات أن العرب مسلمون في أغلبيتهم الساحقة، وأن الإسلام دين العرب منهم خرج وبهم انتشر وأن القرآن العربي هو كتابنا، وأن الكعبة في أرض العرب قبلتنا، وأن القرآن العربي ذكر للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه (العرب والمسلمين). وأن تحرير الأرض الإسلامية هو واجب على كل مسلم بقدر استطاعته.

سوف تظل فلسطين على رأس اهتمامات العرب، وعلى رأس اهتمامات المسلمين حتى تحريرها الكامل، من البحر إلى النهر، وحتى طرد آخر غاصب من ترابها الطاهر. مهما ترددت الاتهامات الخائبة للشرفاء بالعمالة، وللمقاومة بالتبعية.

7 تعليقات

  1. سوف تظل فلسطين على رأس اهتمامات العرب، وعلى رأس اهتمامات المسلمين حتى تحريرها الكامل، من البحر إلى النهر، وحتى طرد آخر غاصب من ترابها الطاهر. مهما ترددت الاتهامات الخائبة للشرفاء بالعمالة، وللمقاومة بالتبعية.

    هذا زمان يصدّق فيه الكاذب ويكذّب الصادق

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. اطفال غزة يقتلون
    واصنام الحكم العربى
    يقبلون اعتاب بنى صهيون
    منعونا من نصرة اخواننا فى غزة
    فانهارات العزائم الشديدة
    حكام خونة+شعوب ضعيفة=دماء اهلنا فى غزة

  3. ماما أمولة
    لا حول ولا قوة إلا بالله

    تحياتي

  4. منال لطفي

    دماء أهلنا في غزة، سوف تكون إما نارا تضيئ الغد، أو نارا تحرق الظالمين.

    تحياتي

  5. كلامك كله صح
    تحياتي

  6. الاخ الفاضل حسن مدني

    النموذج التركي نموذج راقي للسياسة الخارجية مع بعض التحفظات ولكن ما المشكلة ان يكون لنا عدة اوراق نلعب بها سياسة ولا نحرق ورقة ايرانية ومايقال عنها كذب ان لها اطماع فارسية وورقة داخل افريقيا وورقة في السودان وجنوبه وورقة في العراق
    لماذا ننظر لتحت اقدامنا وفقط
    وحماس ورقة
    وفتح ورقة

    مع الحفاظ علي الاعتبارات الاخلاقية ولا ننظر ولا نجزأ
    هذااصولي نستبعده وهذا اسلامي ننبذه
    وهكذا

  7. أستاذي الفاضل هيثم أبو خليل

    المأساة أنهم لا ينظرون إلى المصالح البعيدة للأمة ولا للوطن، ولا حتى لأنفسهم.
    من ناحية الأخلاق، فحماس وفتح والجهاد هم إخوتنا وأهلنا.
    ومن ناحية المصالح وحدها، فحماس وفتح والجهاد قوة لنا، وينبغي أن نكون سندا لهم.

    تحياتي

اترك رداً على ماما أمولة إلغاء الرد