وسقط فاروق حسني


وسقط فاروق حسني


سقط فاروق حسني وزير الثقافة المصري في انتخابات مدير عام اليونسكو. وعاد ليواصل عمله في وزارة الثقافة برغم أنه قد أعلن سابقاً أنه سوف يستقيل من منصبه الوزاري. ولكن لا أظن أحداً قد صدق مثل هذا الادعاء، فنحن لم نعتد مسألة استقالة الوزراء، مهما صرحوا أو وعدوا. ولن أخوض في تقويم أداء الوزير المهني، بصفته وزير الثقافة على مدى يقارب ربع القرن، فحال الثقافة يشهد بأدائه، ولا يحتاج إلى تعليق كثير.

وقد كنت أتابع أخبار الانتخابات وأنا أخشى أن يفوز الوزير بالمنصب، ففوزه لن يكون في صالحنا أبداً، وهو قد بدأ بتقديم كل ما يستطيع من تنازلات لكسب رضا اليهود في العالم، ونيل التأييد الإسرائيلي. وهو ما يدل أنه قد دخل المعركة بنفسية المهزوم، وعقلية المتهم الذي يفعل كل شيء لدفع التهمة. وأظن أنه لو فاز بهذا المنصب لفعل كل ما يستطيع للحفاظ على الرضا السامي، ودفع تهمة معاداة السامية أو كراهة اليهود أو الانحياز للعرب. وما كان بوسعه أن يفعل شيئاً لصالح العرب ولو أراد. فصلاحياته محدودة، وتحركاته مرسومة بالسيطرة الأمريكية على المنظمة (كسواها من واجهات المجتمع الدولي).

ولكن أشد ما أثارني في الأخبار، هي العبارة التي ترددت كل مرة بعد اسم الوزير. (الذي أثار جدلاً واسعاً بتصريحاته التي اعتبرت معادية للسامية). وذلك عندما صرح أنه سيحرق أي كتب عبرية يجدها في المكتبة. ولكني لم أجد أحداً قال إن الوزير كان قد أثار جدلاً كبيراً في تصريحاته التي اعتبرت معادية للإسلام، عندما أدلى بتعليقات مسيئة بحق الحجاب. ولم أر أحداً قال إن الوزير قد أثار الجدل بمواقف اعتبرت منافية للوطنية، عندما سعى حثيثاً للاحتفال بمرور مائتي عام على العدوان الفرنسي على مصر، في عهد نابليون.

وهذا التجاهل الشديد من جميع وسائل الإعلام لما أثاره الوزير من جدل بسبب موقفيه المذكورين. أمر له في ظني سببان.

الأول أن التذكير بهذه المواقف، يستعدي العرب الغيورين على عروبتهم والمسلمين المتمسكين بإسلامهم ضد الوزير، وضد من رشحه. وهذا موقف لا يصدر عن وسائل الإعلام المصرية بالطبع، ولا من إعلام لا يريد إغضاب مصر في الوقت الحالي (مثل الجزيرة) . كما أنه لا يصدر عن إعلام لا يفكر في رأي أهل العروبة والإسلام ولا ينطلق إلا من منظور أمريكي واضح (مثل العربية).

والسبب الآخر، هو أن كثيراً من وسائل الإعلام عالية الصوت التي نسمعها في الأغلب لا تبالي برأي كل هؤلاء الغاضبين على الوزير من أهل العروبة والإسلام. فذلك الإعلام لا يرى أن التهجم على الإسلام مسألة مثيرة للجدل أساساً، بل هي عندهم حرية رأي، بخلاف التعرض للكيان الإسرائيلي أو المذابح الإسرائيلية أو الجرائم الصهيونية، التعرض لمثل هذا هو جريمة ضد الحرية وضد السلام. كما أن التغني بفضل المعتدي وأفضال الاحتلال لم يعد خيانة، وإنما رؤية متحضرة ذات نظر بعيد وفكر ثاقب، بعيداً عن الرجعية والتخلف الذي يعتبر العدوان جريمة، والتعاون معها جريمة أشد.

وأصحاب الرؤية القديمة في الكرامة الوطنية والانتماء العربي والحرص الإسلامي، هم جميعاً – على كل حال – ليس لهم صوت في اختيار مدير اليونسكو ولا سائقه ولا حامل حقائبه. فمن أسف أن هؤلاء القوم (أهل الوطنية والعروبة والإسلام) أصبحوا كغثاء السيل، أو هم كمن وصفهم الشاعر

ويقضى الأمر حين تغيب تيم          ولا يستأذنون وهم شهود

وقد قيل الكثير عن المؤامرة ضد الوزير المصري، والحشد الغربي والضغوط الأمريكية والإسرائيلية ضد المرشح المنتمي للعرب، والتكاتف الاستعماري ضد المرشح المعادي لإسرائيل. فإن صحت هذه الأقوال، فقد أخطأ القوم خطأ كبيراً، فالوزير بريء من هذه التهم، فلا هو يعبر عن مصر، ولا هو منتم للعرب ولا هو معاد للكيان الإسرائيلي. ولكن ربما أراد الله أن يؤخذ الوزير من مأمنه، وأن يسقطه من اعتز به. وكم مذنب أخد بغير ذنبه.

6 تعليقات

  1. الحمد لله لسه مصر بخير كانت حتبقى الطامة الكبرى لو كان الوزير الفنان هو من يمثلنا بس ربك كريم وبيستر المهم يتعلم هو وغيره ان من يبيع نفسه وقيمه ومبادءه هو أول من يباع .
    المشكلة الحقيقية الان انه باق وزيرا للثقافة ولابد من وجود حل .

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سلمت يمينك

    وتحياتي لفهمك العالي ولفكرك الناضج

    أخوك

    محمد حياتنا

  3. الحمد لله .. فنجاح أمثاله نجاح لذلك النظام المترهل .. ووجوده بهذا المنصب يضرنا أكثر مما ينفعنا .. فلإثبات ولاءه سيكون ضد مصالحنا على طول الخط اكثر من الغرب أنفسهم .. وعصر بطرس غالى ليس عنا ببعيد

    • أخي الكريم

      مازال البعض يجادل أن عصر بطرس غالي كان عصر تفوق الدبلوماسية المصرية، وأن وجوده كان نافعاً للعرب وناصراً لقضاياهم.
      وأشكرك فقد أكمل بتعليقك ما لم أذكره..

      تحياتي

اترك رداً على بسنت عزمي إلغاء الرد